هدية عيش اللحظة

هدية عيش اللحظة

في زمن متسارع، والمشتتات من كل اتجاه، أصبح من النادر أن نحظى بلحظات من الاتصال الحقيقي والحضور العميق في اللحظة. مفاهيم تبدو بسيطة، لكن قد يكون منا من لم يختبرها يوما

pexels-goumbik-296282

نحن في تواصل دائم مع العالم الخارجي، نلاحق ما يحدث هنا وهناك، في كل زاوية من الأرض. نغوص في تفاصيل الآخرين، في جديدهم ومعاناتهم، ونحرص ألا ينقطع خيط الاتصال بهم. لكن، ماذا عن الاتصال الأسمى بالخالق ؟ بالذات ؟ كم مرة سألنا : ما هي أخبار عالمي الداخلي ؟ كم مرة جلسنا جلسة صمت صادقة، استشعرنا فيها اتصالا عميقا بالروح، بالكون.. بالحقيقة ؟

عندما نسكُن، يتلاشى كل شيء من حولنا، تهدأ أفكارنا، نستشعر وجودنا الحقيقي في هذه التجربة. نعود إلى الله، نسمع ذلك الصوت الخافت الذي لطالما تجاهلناه.. صوت الحقيقة. هنا، لا نحتاج إلى كلمات، ولا إلى تفسير، نحتاج فقط إلى الحضور.. إلى الاستمتاع باللحظة، تذوقها والامتنان لها

الحضور في اللحظة لا يعني تجاهل الماضي أو المستقبل، لأن كل شيء موجود هنا. اتصالنا هو أن ندرك ما نَمُر به، أن نحيا تجربتنا بعمق، فالحياة تحدث هنا، الآن.. نتصل بالماضي أحيانا لنفهم دروسه، لنشافي جراحه، وبالمستقبل لنرسم معالمه بوعي الحاضر، وليس بانفصال. لذلك فغيابنا عن اللحظة، هو غياب عن الحياة

فقد نعيش في تأجيل مستمر للشعور بالامتنان، بالفرح، بالبهجة.. نربط هذه المشاعر بإنجاز لم يتجلى أو بظرف غير موجود. مقتنعين أن « الراحة » قريبة، وأنها فقط ليست الآن. بينما الحياة تمضي، واللحظة الراهنة هي المكان الوحيد الذي نملك فيه القوة للتغيير والاختيار من جديد .

عندما نكون في حضور، نرى الحياة بعيون مختلفة، ونلمس الجمال في أشياء بسيطة : طعم فنجان قهوة، تسلل ضوء الشمس بين أوراق شجرة، صوت طفل يضحك.. نتحول من التشتت إلى الثبات، من السرعة إلى التمهل، ومن الانشغال إلى ملامسة الجوهر . 

في هذه اللحظات، نتصل بالمصدر، نرتوي حبا وطمأنينة، نكتشف أن وجودنا أعظم مما اعتقدناه سابقا. وأن أجمل تجارب الحياة ليست تلك التي ننتظرها، بل تلك التي ننتبه لها بينما تحدث. فكل لحظة اخترنا أن نكون فيها حاضرين، هي هدية لنا، وفرصة لإعادة توجيه مسارنا

pexels-riciardus-185801

هذا الحضور لا يتحقق صدفة، بل يتطلب تدريبا وممارسة. التأمل، التنفس الواعي، المشي البطيء في الطبيعة.. كلها أدوات تساعدنا على الحضور. بالتأمل نستطيع الانتقال في أبعاد هذا الكون العظيم. حيث نكون في اتصال عميق، نستقبل به طاقات إلهية تُرمِّم ما أفسدناه داخلنا 

لكل من اختار أن يعيش في نور اللحظة، تأملات الأكاديمية المختلفة تفتح مساحات داخلية عميقة لإعادة الاتصال والتحرر. كل تأمل هو رحلة مختلفة في أبعاد عليا نستشعر فيها أننا امتداد للخالق وأن وجودنا نعمة تتجلى في كل لحظة

Tags:
No Comments

Post A Comment